خرجت أنا وصاحبي إلى رحلة برية في أواخر الشتاء إستمتعنا فيها بما شهدنا وحمدنا الله على ما رأينا وعايشنا، وإقتربت رحلتنا من نهايتها وكنا على مقربة من أرض الحجاز فإقترح صاحبي أن نستغل قربنا من مكة فنؤدي العمرة، وعندما إنهينا عمرتنا وتوجهنا إلى الرياض عن طريق الطائف توقفنا في هجرة صغيرة على طريق السيل لأداء الصلاة.
وبعد الإنتهاء من الفريضة قام إمام المسجد بإلقاء كلمة موجزة طالب فيه جماعة المسجد بالتبرع ولو باليسير لعمل ترميم للمسجد الذي يبدو عليه القدم والتأثر بمياه المطر، جُمعت التبرعات القليلة التي لم تتجاوز المئات وعندها قام صاحبي وقابل إمام المسجد وسأله عن إسمه ومن ثم كتب له شيكاً بخمسة ألاف ريال.
فرح الإمام بهذا المبلغ وقدم شكره الجزيل ومن ثم إنطلقنا إلى الرياض وقبيل الوصول توقفنا في إحدى محطات الوقود وفجأة نزل صاحبي وإتجه إلى ثلاث سيارات فارهة غالية الثمن كانت متوقفة في طرف المحطة وأصحابها بجوارها وعندما رأى الشباب صاحبي أخذوه بالأحضان.
وأطال معهم المكوث والحديث ثم عاد بغير الوجه الذي ذهب به، ركب السيارة وهو واجم ساكت فقلت له سلامات يا أبا فلان قال: هؤلاء الشباب هم أبناء صديقي فلان رحمه الله تعالى وكنت أنا وهو كَفَرَسيْ رهان في التجارة وكان يُقتر على نفسه وأولاده، أما بعد وفاته فقد إستمتع أولاده بثرواته فإشتروا القصور الفخمة والسيارات الفارهة والمزارع الواسعة.
وفجأة إقترح عليّ اقتراحاً غريباً وهو أن نعود إلى الهجرة التي تبرّع لإمام مسجدها بالخمسة آلاف، وافقت على العودة وعندما قابل صاحبي إمام المسجد طالبه بالشيك فدهش إمام المسجد ولكنه طمأنه أنه سيرمم المسجد على حسابه كاملاً في القريب العاجل.. فرح الإمام وقبّل رأس صاحبي وواصلنا المسير إلى الرياض.
وإنشغلت عن صاحبي فترة طويلة من الزمن وبعد أشهر جمعتنا رحلة برية وبدأ يحدثني عن الجديد في حياته قائلاً: تغير أسلوبي في الحياة من ناحية التوسع على أولادي وأسرتي والأهم من ذالك كله إنفاقي في وجوه الخير فقد تضاعف عشرات المرات عن السابق.
وذكر لي مواقع عدد من المساجد شرع فيه بنائها وعدد من المحلات أوقفها لصالح بعض البرامج الدعوية ولكفالة مجموعة من الأسر المحتاجة.. وغيرها من وجوه الخير المتنوعة ثم توقف برهة عن الحديث وقال: أتصدِّق أن مالي الآن أكثر مما مضى فأرباح المشاريع التجارية التي أشارك فيها تضاعفت ورأس مالي تضخم ولله الحمد والفضل والمنة.. ووالله أنا الآن أشعر بسعادة وراحة ما عشتها من قبل..
وقفــة: يقول الله تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضعفه له وله أجراٌ كريم}، ويقول الحبيب عليه الصلاة والسلام: «ما نقصت صدقة من مال وما ذاد الله عبدا ًبعفو إلا عزا وما تواضع أحداً لله إلا رفعه».. رواه مسلم. فأين المتاجرون الصادقون مع الله جلا وعلا؟
وهنا دعوة لأصحاب الأموال: أخي الحبيب يا من وسع الله عليك في الرزق.. إعلم أن المال مال الله عز وجل قد إستخلفك فيه ليرى كيف تعمل ثم هو سائلك عنه إذا قدمت بين يديه من أين جمعته وفيما أنفقته..
فمن جمعه من حله وأحسن الإستخلاف فيه فصرفه في طاعة الله ومرضاته أثيب على حسن تصرفه وكان ذالك من أسباب سعادته في الدنيا ولآخرة، ومن جمعه من حرام أو أساء الإستخلاف فيه فصرفه فيما لا يحل له عوقب وكان ذالك من أسباب شقاوته في الدارين إلا أن يتغمده الله برحمته.
أسال الله أن يجعلني وإياكم ممن يُسخر لخدمة الدين ونفع المسلمين..
الكاتب: شامل بن إبراهيم.
المصدر: موقع ياله من دين.